الأربعاء، 9 مايو 2012

الجنوب بين حصاد 2011.. وتطلعات 2012م

الجنوب بين حصاد 2011.. وتطلعات 2012م


فريدة أحمد
30-12-2011م

عندما تُسأل .. أي الأعوام شكلت مِحطة مفصلية في تاريخ الشعوب العربية .. ؟!

سيتبادر إلى ذهنك 2011, عام الربيع العربي بلا منافس, العام الذي هبت فيه رياحِ التغيير, فأشعل معه منطقة الشرق الأوسط, لتزلزل الشعوب الثائرة عروش الجبابرة, عَقِب عقودٍ من الزمن أعاقت حركة الإبداع الإنساني. ولأن دعاء المظلوم سلاحٌ فريد من نوعه, فقد أتى الرد من الملك الجبار : "وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين" .

فمنهم من خرج بثوب الناصح والفاهم لشعبه : .......  ثم هرب , ومنهم من عدد إنجازاته وحبه لشعبه : ..... ثم اعتقل , ومنهم من خرج يمجد في شخصه ويهدد شعبه : ..... ثم قُتل, ومنهم من مارس سياسة المراوغة والالتفافِ على شعبه : ...... ثم نجا بشروطه, ومنهم من ارتكب الإجرام في شعبه ولازال ....

والقائمة تطول .. لكن المحصلة النهائية لكل إرادةٍ ثورية, هي خروجِ الشعوب من نفقها المظلم وتحررِها من قبضة أنظمةٍ ديكتاتورية, وإن اختلفت صورُ سقوطِها .

وإذا كان حصاد عام 2011, حصادٌ بألف عام للعرب عموماً, فإن السنوات الخمس التي سبِِقتُه للجنوبيين خصوصاً, كانت الحصاد الحقيقي الأول لصحوة الضمير الإنسانية العربية, والملهمُ السلميُ الذي بعث روح الأمل في ثوَرات الربيع العربي, التي أعلنت الحرب, على ثالوث الاستبداد والفساد والتردي الاقتصادي, لتفرز ملامح أنظمة عربية أكثرُ تعبيراً عن مصالح شعوبها .

كان عام 2011 زاخراً بالأحداث في محافظات الجنوب, ولم يكن أقل نشاطاً عن أعوام اندلاع الثورة الجنوبية, بل ازداد زخماً جماهيرياً مشهوداً في المدن الرئيسية الكبرى, في الوقت الذي كانت المسيرات الشعبية تتركز في القرى والأرياف الجنوبية, خاصةً بعد انتقال رياح التغيير نحو اليمن, وقدوم الزعيم الروحي للثورة الجنوبية حسن باعوم إلى العاصمة عدن, واعتقاله من هناك في العشرين من فبراير, خشية زعزعته لموازين قوى ثورة التغيير اليمنية, وذلك لقوة تأثيره الشعبية في الجنوب حسب مراقبون, ولم تمضِ أيام على اعتقاله, إلا ونظام صنعاء يرتكب أبشع مجزرة تشهدها العاصمة عدن, في الخامس والعشرين من فبراير وما سبقها, ليسقط فيها أكثر من أربعة عشر شهيداً ومئات الجرحى .. لينتقل المشهد الأكثر وحشية, إلى مدينة الحصن بمديرية خنفر محافظة أبين, فتكونُ البداية بانسحاب الجيش والأمن المركزي اليمني, وتسليم مرافقه الحكومية من بينها مصنع ذخيرة 7 أكتوبر, لجماعاتٍ مسلحة دون مقاومة تذكر, في بوادر أولى من النظام باللعب على أوراق ما تسمى بالقاعدة, لإسقاط المحافظة بأيديهم, ليلقى في صبيحة اليوم التالي من الثامن والعشرين من شهر مارس أكثر من 140 ضحية مصرعهم, جراء انفجار مصنع الذخيرة, بعد خروج الجماعات المسلحة منه ونهبها لمحتوياته في عَتمةِ الليل .

ليبدأ التخريب والدمار الحقيقي لمحافظة أبين, وتحديداً بمدينتي زنجبار وجعار وما حولهما جراء المعارك الضارية بين قوات الجيش اليمني ومسلحي ما يعرف بأنصار الشريعة, ويتشرد مئات الآلاف من النازحين من مساكنهم نحو مخيمات ومدارس محافظات لحج وعدن, ويمتدُ بعد ذلك القتل ومحاولات الاغتيالات المنظمة والمتعمدة, للشخصيات ذات التأثير العسكري والأمني في الجنوب, التي حاولت لأكثر من مرة كشف أطراف اللعبة الواقعة في أبين, من قبل طرفي الجيش اليمني الموالي للنظام والمنشق عنه, بهدف كسب الدعم والتأييد الدولي, لمكافحة ما يعرف بالإرهاب حد زعم تلك الأطراف .

جسدت ذكرى إعلان الحرب على الجنوب, وذكرى السابع من يوليو عام 2011, مشهداً ثورياً استثنائياً, وضرباتٍ ساحقة لكل من كان يراهن على ذوبان الحراك الجنوبي السلمي واندماجه في ثورة التغيير اليمنية, ورغم تصاعُدِ وتيرة الأحداث وما رافقها من تدهور أمني بمداهمات وحملات اعتقالات متكررة طالت نشطاء في الحراك, ورغم صعوبة الظروف الإنسانية التي عاشها سكان الجنوب منتصف العام, من انقطاعات متكررة للكهرباء وتعطل خدمات الاتصالات في معظم الأيام, وارتفاع أسعار المواد الغذائية والغاز, وانعدام المشتقات النفطية وتفاقم أزمة الوقود, إلا أن الحراك الشعبي في الجنوب ظل صامداً, بل توسعت مدارك الجنوبيين تجاه قضيتهم, وازداد معها عمق التمسك بمطالبهم المتمثلة بالاستقلال حسب وصفهم .

 شهد أيضاً عام 2011 اجتماعات موسعة لقيادات جنوبية في الداخل والخارج, بهدف توحيد الرؤى والمواقف السياسية, خرج البعض منها برؤية موحدة تحت شعار الاستقلال والتحرير, وخرج البعض الآخر بجهود مشهودة, لكنها لا تلبي تطلعات ومطالب القاعدة العريضة للشعب الجنوبي, الذي رفع علم الجنوب على سارية ارتفاع 40 مترا, في ذكرى الرابع عشر من أكتوبر, مؤكدا على حقه المطلق في الحرية واستعادة الدولة, رغم التعتيم الإعلامي المفروض عليه, والذي خرجوا يعبرون عن صمته في أول مسيرةٍ سلمية صامتة في العالم العربي, رفعوا فيها راياتٍ سوداء, وكمموا أفواههم بقطعٍ من القماش الأسود, معبرين فيها عن الصمت الإعلامي العربي والعالمي تجاه ما يجري في الجنوب, من إبادة وإقصاء وتهجير لشعبه, من قبل نظام ما يصفونه بالاحتلال اليمني .

و بوضع مقارنة بسيطة بالعودة إلى الوراء, في وقتٍ كانت الشعوب العربية خارج عقارب الزمن الثورية, وتحديداً في ذكرى الثلاثين من نوفمبر عام 2008, عندما كانت قوات النظام اليمني تطلق الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع, لقمع المتظاهرين سلمياً في عدن والمكلا, احتفلت الجماهير الجنوبية عام 2011 بذكرى نوفمبر, كما لم تحتفل من قبل في مدن ومحافظات الجنوب, وقدمت نموذجاً حياً في الوفاء لقضيتها التي سقط لأجلها مئات الشهداء وآلاف الجرحى, فكانت بمثابة الاستفتاء المصيري والرد المناسب, لكل أصحاب المشاريع المنتقِصة لحق شعب الجنوب في الحرية والاستقلال, خاصةً عقب توقيع المبادرة الخليجية, وتدشين حكومة الوفاق الوطني في اليمن لعهدٍ جديد من الحكم, مناصفة بين حزب المؤتمر الحاكم سابقاً وتكتل أحزاب المعارضة ممثلة بالمشترك, والذي أقر المحتجون اليمنيون أن الحكومة الجديدة أضرت بثورتهم, كونها جعلت الحزب الحاكم شريكاً في الحكم, ما أعطى حصانةً لصالح وكبار معاونيه من الملاحقة القضائية.

 ومع التصعيد الأسبوعي لمسيرات يوم الأسير الجنوبي, أكد شعب الجنوب مراراً أواخر شهر ديسمبر, أنه يرفض إجراء أي انتخاباتٍ رئاسية قادمة على أرضه, معبراً عن ذلك بإحراق البطائق الانتخابية كونها لا تعنيه, كما تُعد التفاف على نضال وتضحيات أبناء الجنوب حد تعبير قياداته.   

وما بين الشوق لعودة الزعيم الجنوبي باعوم لساحات الثورة الجنوبية وميادينها, وبين فرحة استعادة شباب الحراك الجنوبي لساحة الحرية في العاصمة عدن, وإعلانها ساحةً رسمية للتظاهرات السلمية من جديد, بعد أن كانت ساحة الانطلاقة الأولى للاعتصامات الجنوبية عام 2007 , تبقى تطلعات الشارع الجنوبي لعامِ ألفين واثني عشر هي الآمالُ المنتظرة ( لقاءات مصورة )

قيل يوماً .. ما من أمةٍ قالت بالوحدة كما قال بها العرب, ولكن ما من أمةٍ خالفت بتصرفاتها الوحدة كما خالفها العرب, ولأن بين التمني والواقع بوناً شاسعاً يصعب تقديرَ مساحته بين الشمال والجنوب, جراء الجرح الغائر الذي أصاب جسد الأمة, والذي لن يلتئم بسهولة مهما بالغ الأطباء في العناية به, يظل الشعب الجنوبي يتساءل وقد نضُجت الشعوب العربية بعد هبوب رياح الثورة والحرية عليها .. إلى أين ستستمر تلك الرياح .. وهل التغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة بدعم المجتمع الدولي, ستنظر للجنوب وقضيته العادلة ومطالب شعبه, بعين الإنصاف مع العام الجديد .. ؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق