14 أكتوبر .. ماذا بقي في ذاكرة الجنوبيين؟
فريدة أحمد
12أكتوبر 2019م
في كل عام ومنذ ولادة الحراك الجنوبي في 2007م, تتزين الشوارع
والميادين والساحات في محافظات الجنوب بالأسود والأبيض والأحمر والأزرق, علم
جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية, الدولة السابقة لليمن الجنوبي الذي دخل في وحدة
مع الجمهورية العربية اليمنية عام 1990م, ليكونّا بعد ذلك دولة "الجمهورية
اليمنية. فتحل كذكرى سنوية للثورة التي قامت ضد المستعمر البريطاني عام 1963م,
ثورة كانت بداية النهاية لفصول الاستعمار بعد سنوات من النضال والكفاح الذي انفجر
أخيراً من جبال ردفان الثورة.
ذاكرة قد تبدو مبهجة للبعض, ومؤلمة للبعض الآخر .. بهجتها تجلت في
التخلص من استعمار جثم على صدر الجنوب لقرن ونيف من الزمن, وألمها في إقصاء شركاء
النضال والثورة من الجنوبيين ونفيهم عن أراضيهم لعقود من الزمن من قبل من ادعى
النصر واحتكره لنفسه, وأعني هنا "الجبهة القومية", التي أقصت الكثير من
المناضلين الحقيقيين واستبعدتهم إما بالقتل والاعتقال أو بالنفي, وعلى رأسهم
"جبهة التحرير" و أبناء السلطنات والمشيخات الذين كان يُطلق عليهم من
قبل محتكري الانتصار "بـ الإقطاعيين وعملاء الإنجليز". لكن إذا ما عدنا
للقراءة في التاريخ قليلاً, يجب أن نلقي الضوء على بعض الأحداث والانتفاضات
التاريخية التي سبقت الثورة في أماكن مختلفة من الجنوب, فهناك انتفاضة علي معور
الربيزي وإخوته وقبيلته التي منعت الإمدادات عن الاحتلال البريطاني آنذاك وقاومته
بشراسة وهو يشن عليها الحملات العسكرية في خمسينيات القرن الماضي, ولا ننسى أيضاً ما
شهده كور العوالق في بداية الستينيات عندما كانت الدبابات البريطانية تشن هجوماً
على منازل آل بوبكر بن فريد وآل معن في مشيخة العوالق العليا وتقصفها بالمدفعية,
أثناء ما كانوا يعترضون القوافل العسكرية التي تمر عبر مناطقهم لمدة عام كامل,
والذي انتهى بصفقة سرية عقدت بين المندوب السياسي البريطاني في عدن "كينيدي
ترفاسكس" وممثل الإمام أحمد حميد الدين على قطع المعونات اليمنية عن الثوار
وإجلاءهم عن كور العوالق إلى البيضاء. وإضافة لما سبق, يذكر الرئيس السابق في
"جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" علي ناصر محمد, في مقال منشور له عن
كفاح عدن ولحج والصبيحة والذي دفع ثمنه السلطان علي عبدالكريم في عزله من السلطنة,
كما نفي رفاقه في النضال محمد علي الجفري وشيخان الحبشي وعبدالله علي الجفري ومحمد
شاهر وعثمان مصفري خارج السلطة والسلطنة. مضيفاً أيضاً أن سلطنة الواحدي شهدت
انتفاضات شعبية ومنها آل رشيد 1937 – 1940م, وانتفاضة قبائل لحموم ونوح والعكابر
وبن عبدات, وقبائل المهرة وسلطنة العوالق السفلى عام 1946م, وآل دمان في العواذل
1946-1947م, وانتفاضات قبيلة بلحارث والمصعبين وآل عريف وآل رقاب في بيحان
1943-1957م, وحالمين والشعيب وابن عواس والشيخ محمد عسكر في الضالع 1947-1957م,
والحواشب عام 1950م و السلطان صالح بن عبد الله الفضلي الذي نفي إلى جزر سيشل ويافع
بقيادة السلطان محمد بن عيدروس والسلطان بن هرهرة وغيرهم عام 1957م, كما شهدت
دثينة انتفاضة العاقل الحسني حسين عبد الله (المجعلي) وآل المجعلي ومحمد عوض شقفة
وأحمد عوض شقفة ومحمد ناصر الجعري والسيد ناصر علوي السقاف ومحمد علي فضل الصالحي
و فضل قنان وغيرهم.
في الحقيقة سردية المقاومة والنضال ضد المستعمر البريطاني لا تتوقف
على أشخاص بعينهم أو جهات جغرافية محددة أو كيانات سياسية بعينها, ثورة 14 أكتوبر
شارك فيها الشعب بأكمله وبكل جهاته وفئاته السياسية والعسكرية والمدنية والقبلية,
إضافةً لذلك لم يصنع الجنوبيون الثورة بمعزل عن زخم المد القومي العروبي آنذاك, بعد
أن رفع وتيرته جمال عبدالناصر إبان قيام ثورة يوليو 1952م في مصر, وامتد أثره
للبلاد العربية التي كان من بينها اليمن الشمالي وقيام ثورة 26 سبتمبر عام 1962م
وتحريره من المملكة المتوكلية اليمنية. بمعنى أن الثورة الأكتوبرية وريادتها لم
تكن حكراً على أحد, فهي لم تكن سوى انعكاساً لسلسلة طويلة من المقدمات والأحداث
الداخلية و الإقليمية التي حدث فيها أكبر دعم وتلاحم جماهيري عربي حتى على مستوى
الشعبين في الشمال والجنوب, والتقليل من
قيمتها أو حمل الضغينة تجاهها بسبب تبعات لحقتها أساء من تقلد السلطة آداءه من
بعدها, ليست سوى ظلم لها وللتاريخ النضالي العريق الذي رسمه لنا آباؤنا وأجدادنا
من خلالها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق