هكذا الحرب ..
فريدة أحمد
7 أكنوبر 2018م
يضيق اليمنيون بالصبر وهو يضيق بهم, يضيقون من كل شيء تقريباً, من الحرب وحماقاتها ونيرانها, من رائحة الموت في الأجواء, من ضغوط الحياة التي تتعاظم من حولهم يوماً بعد يوم, من العجز عن فعل شيء, من الانتظار والترقب والقلق وعدم الأمان, والأكثر من ذلك يضيقون ذرعاً بقادة مشتتين, ضعفاء, متخمين بالفساد والخلافات. فهؤلاء اليمنيون البسطاء في الشمال والجنوب, ليسوا إلا فقراء ووقود لآلة الحرب وأدواتها في الداخل, الأمر الذي يفتح من شهية المتفيدين من استمرارية الحرب, على أن يعتاشون من أوجاعهم.
في مقابل كل هذا الغبن المرير, تضيق أخلاق الناس أيضاً, وهنا يحق لنا أن نتوقف قليلاً عندما يتعلق الأمر بتغير السلوك الاجتماعي وطبيعة العلاقات والقيم السائدة في المجتمع. فهل هي الحرب؟ أم ظروف نفسية متراكمة أفرزتها الحرب؟ أم غياب الدولة وقوانينها هي من جرّفت الأخلاق وحولت حياة الغابة إلى واقع؟ يحدث أن نتساءل مع أنفسنا كثيراً, لماذا يتغير سلوك الأفراد في مجتمعهم, وهم منه وإليه, ليسوا غرباء أو دخلاء أو بناقلين لثقافة جديدة؟ هم ذاتهم أبناؤه ونشأوا في بيئته. فما الذي تغير إذاً؟ ليجعل منا أن نفجع ونحن نسمع عن جرائم قتل واغتصاب وخطف لأطفال ونساء, من أبناء الحي الذي نشأ فيه هؤلاء وكبروا فيه معاً؟ أو عن جرائم سرقة وانتشار لمخدرات وتعاطيها وتبادلها بين أبناء الحي الواحد أيضاً؟ أو عن عمليات إرهابية واغتيالات, يكون مرتكبيها معروفين ويتستر عليهم أبناء الحي الواحد مرة أخرى؟ تتزاحم علامات الاستفهام في عقل كل من يتابع هذه الأحداث الصادمة, وعندما تسأل أحدهم بلهفة للحصول على إجابة شافية ومقنعة, يرد عليك بكل برود وباللهجة الدارجة: هكذا الحرب ايش نفعل؟
نعم, أصبحت الحرب مبرر لارتكاب الجرائم واستغلال الناس وسوء أحوالهم, يشارك فيها الجميع كبيرهم وصغيرهم, وينتفعون من وضع مزري كهذا, وحال استنكارك تجد عبارة: هكذا الحرب .. تتصدر تبريرات كل استغلالي يرى أنه بهذه الحجة الفذّة والمضحكة في آن, قد نجا من سوط لعنات المساكين. فأنت تقف أمام البقّال الذي أجاز لنفسه سرقتك أثناء انهيار العملة, لتسدد له دينك الشهري الآجل حسب صرف عملة اليوم البائس الذي اخترته لإيفاء دينك, رغم أن بضاعته قد تكون متكدسة في مخزنه لأشهر, ولم يتح لها بأي حال أن تتأثر بسعر السوق المتضارب, فتسأله بأسى عن السبب؟ ليجيب من جديد, هكذا الحرب ايش نفعل؟ نعم هي الحرب, ويا له من استغلال مخزٍ يمارسه هؤلاء الناس إلى جانب كبار المتنفذين, فصاحب محطة الوقود يبيع بسعر السوق السوداء أيضاً, مستغلاً انعدام الضوابط الأمنية والرقابة. وتحت نفس المبررات السابقة.
يبدو أنه خلُص للناس إلى أن نهاية الحرب في اليمن لا تظهر في الأفق, وعليه أباحوا لأنفسهم ارتكاب كل ما يسئ لأخلاقهم ويستهلك أرواحهم, فهم يعتبرون أنفسهم ضحايا لهذه الحرب, ويحق لهم فعل كل شيء بطرق شنيعة أحياناً, ضاربين بما نشأوا عليه وتغنوا به من أخلاق وقيم عرض الحائط, تحت مبرر "هكذا الحرب". لا أعلم حقيقة, فاليمن عاش حروباً كثيرة على مر تاريخه, ولم يحدث أن انحطت أخلاق الناس بهذا الشكل, فهل كان يحدث مثل هذا في الماضي, ولم نكن نسمع به أو نقرأ بسبب عدم وجود التكنولوجيا؟ أم أن لغة وسلوكيات المجتمع تبدلت وانحدرت بالفعل؟
لا يسعني أن أختم وسط كومة من التساؤلات المتزاحمة والإجابات المزعجة, على أمل إيجاد إجابات أخرى شافية، سوى بقول الشاعر أحمد شوقي:
"إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق