إيران و«الإخوان المسلمين».. تحالفات خفيَّة للعلن
فريدة أحمد
1 فبراير 2020م
الحديث عن العلاقة بين جماعات الإسلام السياسي قد يبدو شائك ومعقد, فكل فريق لديه قناعاته وإيمانه بشأن العقيدة والمذهب الذي يتبعه. فإيران والإخوان المسلمين جماعتان لديهما انقسامات مذهبية سنية – شيعية, تعود لسنوات ارتبطت باختلافات تاريخية, بيد أن الأيديولوجية التي تجمعهما في الأخير هي نقطة أقوى للتقارب وتوحيد المواقف, وإن وجدت مثل هذه الاختلافات المذهبية, فهي قابلة للحل المؤقت والتفاهمات على الأقل من وجهة نظريهما السياسية.
جاءت الحاجة الملحة لهذا الانسجام بسبب
التغيرات الدولية والإقليمية في الشرق الأوسط, فالإخوان المسلمين شعروا بنشوة
النصر إبان فوز مرشحهم محمد مرسي في انتخابات 2012 في مصر, وكانت إيران تدعم هذا
التوجه وتشجعه وترى فيه معبراً لدخولها المنطقة العربية, ولكون هذا الصعود مثّل لطهران
حالة إسلامية يمكنها من خلاله تقوية نفوذها, كان لها أن أعادت توازناتها السياسية
ووسعت نشاطاتها, عبر عقد اللقاءات وتقديم المساعدة للإخوان عقب وصولهم للسلطة في
بعض البلدان العربية.
ويمكن اعتبار الترابط والتقارب بين الجانبين
مازال في أوجه, رغم سقوط الإخوان في مصر ومحاصرة نشاطهم في بعض الدول, إلا أن موقف
كل طرف يظهر بشكلٍ جلي في أشد الأوضاع خطورة, فبعد مقتل سليماني "قائد فيلق
القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني, تغير المشهد العسكري والسياسي تماماً
بالنسبة لإيران, خاصة وأنها كانت تعتبر سليماني الوجه العسكري الأبرز لتحقيق
طموحاتها في مناطق الحروب والتوتر الشعبي في العراق ولبنان وسوريا واليمن, فما كان
من العلاقة الخفية إلى أن تظهر للعلن, وإن اختلفت بيانات النعي فهي اعتبرته حسب
خطاب "هنية" رئيس المكتب السياسي لحماس "شهيد القدس", حتى وإن
ارتأت جماعة الإخوان بأفرعها المختلفة إظهار نفسها بمظهر الاعتدال السياسي والدعوة
للإصلاح الديمقراطي, مقارنة بنظام يبدو قمعياً ومستبداً كنظام طهران, لكن العلاقة
تتبدى في المصلحة التي يمكن أن يحققها الطرفان جراء تحالفهما الثنائي لضمان موطئ
قدم لكلٍ منهما, خاصة وأن علاقة الإخوان المسلمين تدهورت مع حلفاءها في محيطها
العربي عدا دولة قطر, وباتت تبحث عن حلفاء أقوى كإيران وتركيا.
ويبدو بأن ما حدث لسليماني شكل تهديداً مباشراً
لها ولحلفائها في المنطقة, خاصة وأن إدارة الرئيس الأمريكي ترمب مازالت تسعى
لإدراج جماعة الإخوان في قائمة المنظمات الأجنبية الإرهابية, والتي صنفت في وقت
سابق "الحرس الثوري الإيراني" كمنظمة إرهابية أيضاً.
وبالعودة قليلاً للوراء, يتجلى بُعد العلاقة بين
الجماعات الدينية "المناوئة لنظام الشاه" آنذاك وجماعة الإخوان
المسلمين, في الفترة التي سبقت تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979م, من خلال
الزيارات التي جمعت بين قادة جماعة البنا الإخوانية وبين هذه الجماعات, وتقديم
الدعم المعنوي والخبرة التنسيقية والتدريبات, والشواهد التاريخية في ذلك مزدحمة,
وما كان من أن يتم مكافأة هذا التعاون والدور في إنجاحه, إلا بإنشاء أول حزب سياسي
إخواني في إيران بعد ثورة الخميني المسمى بـ"حزب الدعوة والإصلاح" الذي
لم يكن يشكل خطورة على النظام الإيراني, طالما أنه كان يلتزم بالدستور ويبتعد عن
أي قضايا تثير حساسيات تجاهه. فكان أن استمر بلعب دور الرسول وهمزة الوصل بين
النظام الإيراني وجماعة الإخوان المسلمين وحلفاءها في المنطقة, لتحقيق الأهداف
السياسية والعسكرية المشتركة.
يمكن القول أن التحالفات التي ظلت غير رسمية
بين الطرفين لعقود, أصبحت معلنة بشكل رسمي ويتم تداولها في الإعلام بصورة كبيرة,
وهو ما ظهر جلياً في السنوات الأخيرة, كان آخرها اللقاء الذي جمع كلاً من أردوغان
وروحاني وتميم في قمة كوالالمبور المنعقدة في ديسمبر الماضي, وهو ما يفتح تاريخاً
جديداً من الصفقات والاتفاقيات السرية والمعلنة لمشاريع تضعف المنطقة العربية
وتعمل على تدميرها.
*نشر على صحيفة الرؤية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق