إرهاب .. وخدمة تنظيف
فريد أحمد
6 إبريل 2017م
شاهدت قبل فترة تقرير على الشبكة العنكبوتة, عن شاحنة متنقلة تقدم خدمة تنظيف مراتب السرير (الماتريسس), من حشرات البق التي تعلق في الأسرّة, الحشرة التي كانت ومازالت تلازم الإنسان في فراشه منذ الأزل دون أن يشعر بوجودها. تساءلت بعدها لماذا لا نقدم هذه الخدمة كمشروع ربما يكون للفنادق أو المستشفيات أو حتى للمنازل في بلادنا؟ خاصة في المناطق الحارة, حيث يمكن للشاحنة أن تقف أسفل المبنى وتبدأ بالتنظيف, لكن الأسئلة الصعبة والمهمة التي تعارضت مع أحلام هذه الخدمة المبتكرة التي استهوتني, هو كيف تقدم مشروع كهذا والناس بحاجة أولاً إلى توعية متواصلة عن خطر هذه الحشرة التي تتغذى على امتصاص دماءهم وتنقل الأمراض إليهم بما يقنعهم على الأقل الإقبال نحو هذه الخدمة؟, وكيف يمكن أن تضر بالإنسان إن هو تجاهلها مع مرور الوقت؟ وهل لديهم قدرة على تقبل مشروع كهذا من قبيل الترف في ظروف يفتقرون فيها لأبسط احتياجاتهم الأساسية؟
قد يبدو ما كتب أعلاه مدخلاً غريباً لموضوع حساس ومهم جداً كالإرهاب, والذي هو بحاجة إلى جهد جماعي لعلاجه ومكافحته, وبه يمكن أن نستدعي ذاكرتنا الحديثة للتأمل في حال البلاد المزري و حال شبابنا الذي تبدو على ملامحه مشاعر الإحباط والخيبة, بعد أن فقدوا حماس معاودة العمل ورواتبهم معلّقة منذ أشهر بسبب الحرب في اليمن, أو لم يحصلوا بعد على فرصة للعمل, وجلّ ما اصطدموا به واقع مرير يقضون معظم أوقاتهم فيه وهم يتبادلون أحاديث ساخطة عن أوضاع تخنقهم حد الوجع, وفي أركان حارات شديدة الظلمة تفتقر لأبسط مقومات الحياة, لا يُرى فيها الضوء إلا فيما ندر.
ومن الطبيعي في وضع مشتت كهذا, سيخرج عديمو الضمير والإنسانية من جحورهم وسيعملون على جذب الشباب واستقطابهم بطريقة توحي لهم بأنه تم انتشالهم من مأساتهم بالوعود الكاذبة وأوهام الموت في سبيل الله وفناء الدنيا والنعيم المنتظر في الآخرة, إن هم نفذوا لهم ما يرسمونه من أجندات خفية معظم الشباب لا يدركها ولا يفهمها. وهذا الدور ينطبق على بعض المساجد في ظل غياب رقابة الأهل والدولة, حيث يستكمل فيها الأئمة الدور الدعوي الذي يلعبونه منذ سنوات طويلة كانت بدايته منذ ما بعد 1994م في الجنوب, وهو ما يقتضي محاربة الكفار ومن يتعاون معهم من الأجهزة الأمنية. وهذا الدور خطير بالمناسبة, ظلوا يعملون عليه ببطئ شديد وهم يهجّنون الدعوة الإسلامية السمحة مع أفكار متطرفة وعنيفة تقود للموت, أنتجت لنا هذا التطور الشنيع الذي نشاهده ونسمع عنه في السنوات الأخيرة, ليس في اليمن فقط بل في العراق وسوريا وليبيا وغيرها.
وبالتأكيد المواجهة الأصعب ستكون في طريقة التعامل مع هذا الفكر المتطرف "الإرهابي", لا الاكتفاء بمحاربته أمنياً وعسكرياً فقط, الشباب بحاجة إلى تنظيف عقول أولاً من هذا الفكر الدخيل وتوعية متواصلة وعملاً مضنياً وشاقاً, يستحق أن يبذل المجتمع من أجله كل هذا الجهد, لأنه كما حشرة البق تنخرنا من الداخل ونحن في غفلة عنها لتتمكن أخيراً منا ونصاب بالمرض الذي يؤدي أحياناً للموت, فهل نحن بحاجة لشاحنة تنظيف مراتب الأسرّة, بقدر ما نحن بحاجة لتوعية الناس أولاً من خطر ما تحمله من حشرات؟
بالتأكيد آمالنا ومخاوفنا واحدة كمجتمع, وحتى نحاصر ونجفّف هذا الفكر, هناك الكثير من الطرق والتجارب التي يمكن أن نستفيد منها وقامت بتطبيقها الكثير من الدول العربية, ففضلاً عن دور الأسرة والمدارس والجامعات في دور الإرشاد والتوعية, فعلى الدولة أن تخصص ميزانية لتوفير فضاءات لترفيه الشباب وأنشطة وفعاليات متنوعة تجتذبهم وتبعدهم عن الطريق المظلم, وأيضاً يمكن أن تقوم بتكثيف ورش عمل للإعلاميين وتأهيلهم في كيفية التعاطي مع الإرهاب وإيصال رسائله عبر التركيز على الجرائم التي يرتكبونها قبل التركيز على مجرد نقل الخبر, كما يمكنهم متابعة كل ما يبث من جديد عبر الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي وتوظيفه لكل ما يخدم الاستراتيجية الأمنية لمحاربة هذه الجماعات, وربما القيام أيضاً بحملات لدعم معنويات الناس لكسر الهالة التي رسمتها لنفسها هذه الجماعات. حمى الله الوطن والساهرين على أمنه.
*صحيفة 14 أكتوبر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق