الأربعاء، 12 مارس 2014

بنكهة مدينية ( عادات وتقاليد )

فريدة أحمد
11 مارس 2014م

كل من عاشر أهل "المدينة المنورة" و جاورهم, عرف ماذا تعني الطيبة والكرم وحسن الخلق والإيثار والوفاء, مدينة تجلّت فيها المحبة والرحمة بأعلى قيمها, دعا لأهلها خير خلق الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في قوله: والمدينة خيرٌ لكم لو كنتم تعلمون.
في الحديث عن المدينة وبركة السُكنى فيها وعن فضائلها ومآثرها ومعالمها الكثير, فالحنين يشدوك إليها وأنت تمشي على تربتها وتستنشق نفحاتها, كما هو الشوق إليها عند الرحيل ثم العودة, تمر عليك لحظة ذهول يخفق فيها قلبك عندما تظهر لك أضواءها من بعيد وهي تتراقص كحبات اللؤلؤ, عندها لا تمنعك نفسك من ذرف الدموع لدى رؤيتها وشم نسيمها من جديد.
وكما لكل منطقة ما يميزها عن الأخرى من الجمال والتراث والتاريخ والعادات والتقاليد, كان للمدينة رونقها الخاص ونكهتها الحجازية الأثيرة, التي مازالت تتوارثها الأجيال عبر الزمن, وتحافظ عليها باعتبارها جزءاً من التكوين الاجتماعي والتراثي لها.

زواج مديني

كان لأهل المدينة تقاليد خاصة في الزواج حسب ما توارثوه من أجدادهم في مناسباتهم الخاصة القديمة, أطلعتنا على غمار تفاصيلها بهية إبراهيم عبد الجواد, وهي سيدة سعودية بقولها: عندما يطلب الشاب أن يتزوج, تبدأ والدته وأخواته بالبحث له عن عروس مناسبة, وعندما يتم التوفيق إلى طلبهم, يستأذنون بـ "شوفة شرعية" من أهل العروس, بحيث يأتي الشاب مع والدته إلى بيت العروس فتدخل الفتاة بكؤوس العصير ثم تجلس معهم, فإذا أعجب بها العريس لبّسها تلبيسة, إما إسورة أو ساعة دليل على إعجابه بها وموافقته عليها, بعد ذلك تقام الخِطبة الرسمية بعد الاتفاق على كافة الشروط بحضور المقربين من أهل العروسين وتتم قراءة الفاتحة من قبل جد العريس (سيده), ثم يقومون بتحديد موعد لعقد القران (الشبكة). وتضيف السيدة بهية وهي تشرح عن عادات المدينة القديمة في عقد القران قائلة: كان من الضرورة أن يتم العقد في الحرم النبوي الشريف بعد الاتفاق مع "الممّلك" أو الشيخ, ويتم اختيار دكة الأغوات مكاناً لذلك, هناك يذهب العريس وأهله من الرجال وأهل العروس, ويكون مع بيت العريس صينية معدنية (تبسي), يوضع فيه مصحف كبير وصندوق فيه المهر, ويتم عقد القران بين صلاتي المغرب والعشاء, وفي أيامنا هذه يأخذ أهل العريس معهم مصاحف صغير ة أو دهن عود, ثم يوزع مباشرة على الحاضرين بعد عقد القران, ثم يحدد بعد ذلك موعد (الشبكة) التي يتكفل بها أهل العروس. ثم تردف السيدة بهية بالقول وهي تصف تفصيلياً حفل الزواج أو (الفرح): تقوم أم العروس بعمل ليلة غُمره أو (حنا), تتحنى بها العروس, وتلبس فيها إحدى ملابس أهل المدينة القديمة, والتي تتكون من: المديني - الزبون - درفة الباب), ثم تزف على الكراسي بحيث توضع أمامها عدة كراسي ممتدة للكوشة (المنصة التي تجلس عليها العروس), وتمشي عليها العروس حتى تصل للكوشة على الأهازيج والزغاريد, وبعد انتهاء الحفل تعود العروس مع أهلها للبيت, فيتم تحديد موعد لإيصال العفش أو جهاز العروس لبيت عريسها, أو ما يسمى بـ (الدبش), والذي يكون مشرّعاً ومزيناً بصورة جميلة, ويُحمل من بيت العروس بالزغاريد والتهاليل والصلاة على النبي, ثم يُرص في غرفة نومها. وأضافت بالقول: الزواج قديماً يكون حسب الاتفاق, إما بالشراكة أي (النصف) في التكلفة وهو الغالب, أو كلٌ لوحده, حيث كانوا قديماً عندما تزف العروس في فرحهم, تقوم الأم والخالات والعمات (الستات الكبار) بارتداء نفس الزي التقليدي المديني, فيدخلن ويجلسن على الكوشة, ثم تبدأ زفة العروس, بعد ذلك يأخذها العريس لبيت الزوجية, وهو يرتدي الثوب وعليه الصديري والجبة وعلى رأسه عمامة مطرزة بالقصب الأصلي. وفي صباح اليوم التالي لليلة الدخلة, يتقدم أهل العريس بالتهاني والتبريك للعروسين ثم يقدمون الهدايا لهم بكل سرور

سابع المولود أو (الرحماني):

وهي عادة قديمة اعتاد أهالي المدينة المنورة على الاحتفال بها في سابع يوم للمولود, وسط فرحة وتجمع أهل الحارة من النساء والأطفال, وتصف لنا مريم الرحيلي وهي سيدة أعمال سعودية أجواء السابع المدينية بالقول: آه يا زمان, أيام ود وجمال كان لها طعم مختلف رغم بساطتها وقل تكاليفها, أجمل ما فيها أن الجميع يشاركك فرحتك وكأنها له, ومن غير تكلف أو رسميات, في الرحماني أو السابع الجيران والأقارب هم من يساهمون في الحفل, حيث يتجمعون قبل صلاة الظهر ويبدأون في تجهيز الغداء, والذي يكون عادةً عبارة عن الرز بالذبيحة وبوف (عجينة محشوة باللحم والبيض والبصل) وأحياناً سجائر محشية بحشوة البوف, كما تقدم الحلويات مع القهوة للمباشرة من الطرنبه (بلح الشام) واللبنية والهريسة, وكل هذا بمساهمة الأحبة والجيران. وتسترسل السيدة مريم بالقول: أما إذا كان السابع للرجال والنساء, يفرش الرجال مفارش خارج البيت ويرشون التراب بالماء لتلطيف الأجواء, وإذا كان المعازيم كثر يُحضر أهل السابع طباخ يطبخ لهم خارج البيت, وتقوم السيدات بتحضير القهوة والحلويات. وبعد العصر يبدأ (الرحماني), بحيث يتجمع الأطفال على شكل طابور وكل طفل يحمل شمعة, ويتم وضع مكسرات في مناديل من القماش ثم تُصر ويوزعونها على الصغار, أما الطفل (النونو), يقومون بتنويمه فوق مرتبة بيضاء قطن مشرّعة بالتل والدانتيل, ويتم اختيار الألوان حسب جنس المولود إن كان ذكر أو أنثى, كما تتزين مخدته بالورود والفل, ثم يحمل الطفل شخص كبير (سواء الخالة أو العمة أو الجدة أحياناً), ويدور خلفها الصغار وهم يغنون: يارب يا رحماني .. بارك لنا في الغلامي .. يارب البريا .. بارك لنا في البنية, ثم يرمون الحلوى للأطفال. وتضيف السيدة مريم وهي تصف تلك المناظر باشتياق: ما أجملها من أجواء, كانت البساطة والأنس فيها مفرحاً للقلب, الجميع يشارك ويبارك ويهنئ بكل حب وتقدير, ولا يتركون أهل السابع إلا بعد مساعدتهم لهم في تنظيف البيت وترتيبه.

أكلات مدينية:

تشتهر منطقة الحجاز في المملكة بأكلات مميزة, اختص بها أهلها في تقديمها بطريقتهم الجذابة, منهم أهل طيبة الذين تميزوا بطبخات لذيذة تنبعث منها رائحة الحارات القديمة وسواطع أسرارها وذكريات الزمن الجميل, الذي مازال أهلها يحافظون عليه لليوم, حدثتنا السيدة هيام رفيق وهي أستاذة تربوية ومديرة لإحدى الروضات بالمدينة المنورة, عن أشهر ما يميز المائدة الحجازية من أكلات شعبية, ابتداءاً بالتعتيمة, والتي تعد من أشهر ما يزينها في الصباح والمساء, خصوصاً في مآدب الأفراح والمناسبات المدينية, وتتكون التعتيمة من الشريك بالسمن والششني والهريسة والحلاوة الطحينية واللدو والزيتون والجبنة البلدي, وغيرها من الحواضر الحجازية المتنوعة والخفيفة, وفي وجبات الغداء تميز أهالي المدينة بتقديم الكبسة المدينية والأرز بالحمص والملوخية الموروقة باللحم, وكذلك السقط والسلات والعيش باللحم واليغمش والبريك والبوف وشوربة الحَب, كما لا تكتمل أكلات المدينة إلا بحلوياتها اللذيذة ومكسراتها الأجمل, حيث تشتهر بالعريكة والحيسة والمفروكة والمعصوبة وطبطاب الجنة والعريسة واللبنية, وتذكّرنا السيدة هيام بأن هناك أكلات اعتاد عليها أهل المدينة في أيام معينة من السنة مثل العاشورية بالمكسرات, وكذلك الدبيازة المصنوعة من قمر الدين بإضافة المكسرات المتنوعة, والتي تقدم عادةً في صباح عيد الفطر باجتماع كافة أفراد الأسرة


*صحيفة أضواء المدينة
http://madinah-l.net/articles.php?action=view&id=233

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق