الخميس، 20 يونيو 2013


بعد ثورة التغيير .. مسلسل اغتيال الكوادر العسكرية والأمنية في الجنوب يعود إلى الواجهة من جديد


استطلاع / فريدة أحمد
9 يونيو 2013م

يَذكر التاريخ كلمات الرئيس السابق علي عبدالله صالح بعد توقيع وثيقة العهد والاتفاق في عمّان بالأردن عام 1994م, عندما قال: لن أقبض عليهم حتى لو كانوا في دار الرئاسة, يعني بذلك المتهمين بقتل الكوادر العسكرية والأمنية والمدنية الجنوبية, بعد عدة اتهامات ضمنية وجهها قادة النظام الجنوبي السابق لمسؤولين رفيعين في الدولة آنذاك, والذين شددوا على ضرورة القبض عليهم في إطار تنفيذ الشق الأمني في البند الأول من الوثيقة, هذا الشق الذي اعتبره الكثير من القانونيين أحد أهم المعرقلات للوثيقة الموقعة لإنهاء الأزمة السياسية بين أطراف النظامين في الشمال والجنوب بعد قيام الوحدة اليمنية بأربع سنوات.
لم تتوقف الاغتيالات المنظّمة والمتعمدة للشخصيات ذات التأثير العسكري والأمني في الجنوب بعد حرب صيف 1994م, بل زادت اتساعاً بعد اندلاع الثورة الجنوبية السلمية المعروفة "بالحراك الجنوبي", ثم اتسقت مع حالة الاضطراب السياسي بصورة مخيفة بعد ثورة التغيير اليمنية, مما شكل حالة أمنية متدهورة في البلاد, وتمادي أكبر للفاعلين المجهولين في ارتكاب مزيد من الجرائم, في ظل تقاعس الدولة عن تأدية دورها في القبض على الجناة, وعدم تحمل مسئوليتها القانونية في كشف خيوط الجريمة وملاحقة مرتكبيها وتقديمهم إلى العدالة أياً كانت دوافعهم.
وقد كشف تقرير أصدرته وزارة الداخلية اليمنية عن جرائم القتل التي ارتكبت بحق منتسبي المؤسسة العسكرية والأمنية بالموتورات وحدها العام الماضي إلى 66 حالة, كان نصيب الجنوب منه: 15 جريمة بمحافظة لحج, 10 جرائم بمحافظة حضرموت, 6 جرائم بمحافظة الضالع وغيرها في عدن, آخرها اغتيال الثلاثة الطيارين الجنوبيين بدم بارد, وتلاه اغتيال الكوادر الأمنية في حضرموت.

ولهذا الأمر فقد استطلعت صحيفة "القضية" عدد من الآراء فيما يتعلق بالاغتيالات الممنهجة لأفضل الكوادر العسكرية والأمنية في الجنوب, وكان من بينها رأي العميد علي محمد السعدي وهو عسكري متقاعد وأحد قيادات الحراك الجنوبي الذي أوضح بأن مسلسل اغتيال الكوادر العسكرية هو ضمن مسلسل قتل الجنوب الأرض والإنسان منذ أن تم احتلاله حسب وصفه في 7-7-94م, وأضاف في حديثه أن هذا مخطط يقوم به النظام للعب على أوراق سياسية جديدة متناثرة الأساليب لكي تضيع معالم الجريمة, لأن النظام عبر عناصره يريد أن يوهم العالم أن من يقتل الكوادر العسكرية الجنوبية هم القاعدة, وهو هنا يهدف إلى تصفيتهم حتى لا يفشي هؤلاء العسكريين أسرار الإرهاب المصطنعة, واستطرد السعدي بالقول: أنتم تابعتم المسرحية الهزلية التي كان مسرحها محافظة أبين من أجل تدميرها من ناحية, ومن ناحية أخرى لإيهام العالم أن الجنوب سيكون مصدر قلق وتوتر تحت طائلة القاعدة إن تحرر وانفصل من الشمال, والآن يتم نقل مسرح اللعبة على وتر القاعدة إلى حضرموت بعد أن تم نقل أدوات الرعاية لها بقيادة القائد الصوملي, ما أصبح واضحاً أن هذه لعبة مسيسة ومدروسة أصبح أبناء الجنوب من واقع المعيشة يعلمون خباياها.

استئناف ما دشّنته القوى القبلية والدينية وعرقلة التحول السياسي
 :كما عبّر المحلل السياسي والعسكري - العميد الركن ثابت حسين صالح بالقول, أن مسلسل الاغتيالات التي تعرضت لها العديد من القيادات العسكرية والأمنية وخاصة في المحافظات الجنوبية ولعناصر معظمها من أبناء الجنوب, يبدو مؤشراً خطيراً على سعي بعض الأطراف وبشكل محموم وتحت مبدأ الغاية تبرر الوسيلة لوضع المزيد من العراقيل في طريق إكمال مرحلة التحول السياسي السلمي للسلطة وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بمؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته لحل القضايا الرئيسة وفي مقدمتها القضية الجنوبية. وأردف بالقول: أن وراء كل ذلك قوى سياسية واجتماعية ودينية تحاول جاهدة استباق استحقاقات الحلول الجذرية – إذا ما جاءت وفقاً لأهوائها - لأهم القضايا الجوهرية التي ستحدد مستقبل اليمن الموحد وشكل الدولة والنظام السياسي الذي تريده قوى الحداثة - دولة مدنية حديثة - وهو الأمر الذي لا يروق للنخب التقليدية التي عرقلت كل محاولات بناء الدولة المدنية دولة النظام والقانون منذ أكثر من خمسين عاما في الشمال وقضت على مقومات الدولة في الجنوب بحرب وبعد حرب 1994م . ويؤكد العميد ثابت حسين أن القوى التي خسرت مصالحها لا يبدو أنها راضية عن نجاح التحول السياسي والثوري في اليمن وهي التي حكمت البلد لعشرات السنين بأسلوبها وطريقتها وآلياتها التقليدية دون حساب أو رقيب .
وأوضح الصحفي والناشط السياسي في الحراك الجنوبي صلاح السقلدي, أن عملية استهداف الكوادر الجنوبية المدنية والعسكرية هي استئناف, حتى وان لم تكن قد توقفت تماما لذات العملية التي دشنتها القوى القبيلة والحزبية التكفيرية الشمالية بحق الجنوبيين منذ غداة يوم 22مايو 1990م , وستبقى ما بقية الأسباب التي أوجدتها إن لم يكن هناك تغييرا جوهريا من الطرف الجنوبي, وأضاف : حين نقول الطرف الجنوبي نعني كل الجنوبيين بمختلف مشاربهم, لأنهم جميعا في دائرة الاستهداف وان اختلفت توجهاتهم نحو القضية الجنوبية أو اليمنية. وأشار بالقول: أن هذا الاستهداف يرمي إلى عدة أغراض أولها الغرض الآني, وهو أن يتم تقليم كلما بقي من أظافر وأنياب للدولة الجنوبية ليتم إضعاف الجنوبيين المشاركين بالسلطة في صنعاء وخصوصا الرئيس هادي. أما الغرض الثاني حسب تقديره, فهو تحوطا لعودة الجنوبية المستقبلية والتي يجب وفق هذا المخطط ان تكون دولة فاقدة للكادر الحكومي ليتكون هذا عقبة أمام أية دولة جنوبية مفترضة بالمستقبل.

 إرهاب و تستّر على مرتكبي الجرائم
و يتساءل الدكتور والأستاذ الجامعي أفندي المرقشي رئيس المرصد الجنوبي لحقوق الإنسان - ساهر, قائلاً: إلى متى يُستباح الجنوب ويُقتل أبناءه؟ مضيفاً أن ما يحدث في عدد من مناطق الجنوب من جرائم القتل البشعة, تعد جرائم بحق الإنسانية, لا يذهب ضحيتها إلا المواطن البسيط أكان مدنيا أو عسكريا. مشيراً إلى أن التمادي في القتل سببه عدم وجود رادع أو مجيب في القبض على الجناة, بل إنه يتم التستر على مرتكبي هذه الجرائم وحمايتهم من قبل ما أسماهم بفلول النظام اليمني والعصابات الحزبية الأخرى الموالية له, دون أي ضمير أخلاقي أو وازع ديني, مستشهداً بالآية الكريمة : «ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل إنه كان منصورا» (الإسراء: 33). وأضاف في ختام قوله, أن سفك الدماء وانتهاك أعراض الناس واستباحة الممتلكات, إلا إذا وقف أبناء الجنوب صفاً واحداً من خلال قيادة موحدة, وعند الاعتماد على حماية الجنوبيين أنفسهم من خلال اللجان الشعبية التي يجب أن يتم تشكيلها في كل أراضي الجنوب, وعندما تترك قبائل الجنوب الثارات فيما بينها البين, وعندما يقف الأبطال من الضباط والجنود مع إخوانهم الجنوبيين في خندق النضال, هنا ستتوقف الدماء.
أما الدكتور الجامعي والناطق الإعلامي باسم المجموعة الأكاديمية للحراك الجنوبي - عادل علاوي, فشارك بالاستطلاع مذكراً, بأن يوم 21 يونيو ستحل ذكرى اغتيال الشهيد ماجد مرشد سيف في شوارع صنعاء, مضيفاً بأنه في ذلك اليوم الأليم دشنت عصابات الإرهاب مسلسل اغتيالات الكوادر الجنوبية مغتالة معها أحلام الجنوبيين العاطفية عن الوحدة. ويقول: ما زلت أذكر يوم تشييع الشهيد ماجد مرشد و الذي تميز بالمهابة و الحزن. كانت حناجر المشيعين تصدح بكلمة واحدة "القصاص القصاص". و ما زال الجنوبيين مستمرين في تشييع شهدائهم لكن مع تغير العبارات من المطالبة بالقصاص إلى "الاستقلال أو الموت". كما لفت د. عادل بالقول, أن نتائج التقييم الذي أجراه البنك الدولي لقياس الثروة القومية في 192 بلدا أظهرت أن رأس المال المادي لا يمثل في المتوسط سوى 16% من إجمالي الثروة, و الرأس المال الطبيعي يمثل 20% من الثروة, بينما رأس المال البشري يمثل 64% من الثروة. و بعملية حسابية بسيطة فان 80% من الثروة القومية في الجنوب قد تم تدميرها (الرأسمال المادي + الرأسمال البشري) و لم يتبقى إلا الرأسمال الطبيعي. هل تذكركم هذه المعادلة بعبارة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض؟! نعم هو إدعاء قام بالترويج له زعماء الحركة الصهيونية مثل إسرائيل زانجويل وثيودور هيرتزل نتج عن هذا الإدعاء إحدى أهم الكوارث الإنسانية التي حدثت في القرن العشرين ألا وهو ترحيل الفلسطينيين. و هي ذات الأفكار التي يحملها حكام صنعاء عن الجنوب !!

تصفية حسابات سياسية مقابل مشروع تحرري
ومن فئة الشباب رجّحت الناشطة الجنوبية منى تركي, أن السبب متصل بثورة الجنوب أكثر منه بالتغيير ، وأضافت سؤالاً مختلفاً, لم تضحي صنعاء بعد الثورة بالكفاءات الجنوبية و التي يفترض بأنها و من منظار الوحدة كفاءات يمنية ؟ ، ثم أكدت بالقول: أن ما وقعت فيه منظومة الحكم اليمنية المعقدة بقديمها الجديد هو مأزق, تمثل في التناقض بين تصريحها و شعورها الذي تبني على أساسه مصالحها فتحركاتها ، فلا يظهر عليها اليوم - كما لم يظهر بالأمس - الحرج أو الندم و هي تصفي حسابات سياسية حينا و تضع ما تعتقده عقبات معرقلة للجنوب حينا آخر بثمن تدفعه من الدماء العسكرية الجنوبية ، و لو أنها ترى في الجنوب جزء منها لأوجعها إيذاءه و لكنها لا تكترث ! ببساطة هي تلعب ببيادق لا ترى بأنهم يخصونها فلا تأبه لخسارتهم ، و هنا تسقط الوحدة للمرة الألف بعد المليون .
ويعتقد الناشط الشاب في الحراك الجنوبي السلمي - سالم ثابت العولقي, أن عودة مسلسل اغتيال الكوادر الجنوبية بعد ثورة التغيير يأتي امتداداً لتلك السياسات وعبر نفس"التحالف", لاسيما في ظل الاحتجاجات المليونية التي يشهدها الجنوب للمطالبة بالحرية والاستقلال, كما أن الاغتيالات تأتي في نفس إطار المخطط الذي يُراد للجنوب من خلاله أن يظل تحت هيمنة الشمال, وكذا لإرباك المشهد الجنوبي بشكل عام من خلال وقائع "تراجيدية دموية" وأحداث عنف تشوش الصورة الحقيقية والمضمون الحقيقي لقضية الجنوب أمام الرأي العام, مضيفاً بالقول: أنهم يستغلون بذلك الانفلات الأمني الرهيب التي تشهده البلاد منذُ اندلاع الثورة الشبابية في الشمـال, كما أن الاكيد بأن إفراغ الجنوب من كوادره المؤهلة مدنياً وعسكرياً يؤخر عجلة الاستقلال ويتطلب عملية تأهيل كوادر جديدة للجنوب وبكلفة مادية هائلة وفي ذلك   نوع من الصعوبة نظراً للواقع المفروض على الجنوب وشعبه من قبل نظام صنعاء.

ثم يختم بقوله : أن هذه هي التي الأسباب التي استهدفت الكوادر الجنوبية بالأمس وتستهدف اليوم وستستهدف غداً, طالما أن هناك مشروع تحرري على امتداد الارض الجنوبية من المهرة إلى باب المندب يعد السبب الرئيس لعمليات القتل الممنهجة ونطاق التدمير الواسع الذي يتعرض له الجنوب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق